سورة الأعراف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}
{ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا} من الثواب {حَقّاً} صدقاً {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ} من العذاب {حَقّاً} هذا قول محمد بن جرير {قَالُواْ نَعَمْ} قال الكسائي {نعم} بكسر العين وتجوز بإسكانها وهما لغتان {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} فنادى مناد منهم {أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} الكافرين {الذين يَصُدُّونَ} يصرفون {عَن سَبِيلِ الله} دين الله {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبونها زيغاً وميلاً {وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ * وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} يعني بين الجنّة والنار حجاب حاجز وهو السور الذي ذكر الله عزّ وجلّ في قوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} [الحديد: 13].
{وَعَلَى الأعراف} يعني على ذلك الحجاب. والأعراف سور بين الجنّة والنار وهي جمع عرف وهو كلّ تل مرتفع ومنه عرف الديك لارتفاعه على ماسواه من جسده.
وقال الشماخ:
وظلت بأعراف تعالى كأنها *** رماح نحاها وجهة الريح راكز
ويروى: بأعراف قفالاً، أي قفالى أي قفلى بعضهم بعضاً، بمشغرة نصف حمير، وشبّه قوامها بالرماح نحاها قصد بها وجهة الريح، أي جهة الريح، وقوله: بأعراف أي نشوز من الأرض.
وقال آخر:
كل كناز لحمها نياف *** كالعلم الموفي على الأعراف
يعني كل كناز نياف لحمها والكناز الصلب.
قال السدي: سمي أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس. وقال الحسين بن الفضل: هو الصراط، واختلفوا في الرجال الذين أخبر الله عنهم أنهم على الأعراف من هم وما السبب الذي من أجله صاروا هناك؟ فقال حذيفة وابن عباس: أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم في سيّئاتهم وقصرت بهم سيّئاتهم عن الجنّة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتّى يقضي الله فيهم ما يشاء ثمّ يدخلهم الجنّة بفضل رحمته وهم آخر مَنْ يدخل الجنّة قد عرفوا أهل الجنّة وأهل النار، فإذا أراد الله أن يعافيهم انطلق بهم إلى نهر يقال له نهر الحياة حافتاه من الذهب مكلّلا باللؤلؤ ترابه المسك فالقوا فيه حتّى يصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بهم فأتى بهم فقال الله لهم: تمنوا ماشئتم فيتمنون متى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعون ضعفاً فيدخلون الجنّة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها يسمون مساكين أهل الجنّة.
قال ابن مسعود: يحاسب الله عزّ وجلّ الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيّئاته بواحدة دخل الجنّة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثمّ قرأ: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ المفلحون * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم}، ثمّ قال: الميزان يخفف بمثقال حبّة فيرجح.
ومَنْ استوت حسناته وسيّئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط ولم ينزع منهم النور الذي كان في أيديهم. «وروى يحيى بن شبل أنّ رجلا من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم رجال غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم فقتلوا فاعفوا من النار لقتلهم في سبيل الله وحبسوا عن الجنّة بمعصية أبائهم فهم آخر من يدخل الجنّة».
قال شرحبيل بن سعيد: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم، وقال مجاهد: هم قوم صالحون فقهاء علماء، وقال التميمي وأبو مجلن: هم ملائكة يعرفون أهل الجنّة وأهل النار فقيل لأبي مجلن يقول الله: {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ} وتزعم أنت أنهم ملائكة، فقال: إنهم ذكور ليسوا بإناث، قال ابن عباس: هم رجال كانت لهم ذنوب كثيرة، وكان حبسهم أمر الله يقومون على الأعراف {يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}.
وروى صالح مولى الكوفة أنّ ابن عباس قال: أصحاب الأعراف أولاد الزنا. وقال أبو العالية: هم قوم يطمعون أن يدخلوا الجنّة وما جعل الله ذلك الطمع فيهم إلاّ كرامة يريدها بهم.
وقال عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال: هم قوم رضي عنهم آبائهم دون أُمهاتهم أو أُمهاتهم دون آبائهم فلم يدخلهم الله الجنّة، لأن آباءهم وأُمهاتهم غير راضين عنهم ولم يدخلهم النار لرضا آبائهم أو أمهاتهم عنهم فيحبسون على الأعراف إلى أن يقضي الله عزّ وجلّ بين الخلق ثمّ يدخلهم الجنّة، وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هم الذين ماتوا بالفقر ولم يبدلوا دينهم، وفي تفسير المنجوني: إنهم أولاد المشركين.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول: سمعت محمد بن محمد بن الأشعب يحكي عن بعضهم أنهم أُناس عملوا لله عزّ وجلّ ولكنهم راؤوا في أعمالهم فلا يدخلون النار لأنّهم عملوا أعمالهم لله ولا يدخلون الجنّة لأنّهم طلبوا الثواب من غير الله فيوقفون على الأعراف إلى أن يقضي الله بين الخلق قوله: {يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ}.
وروى جويبر بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ {وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} قال: الأعراف موضع عال من الصراط عليه العباس وحمزة، وعليّ بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين يَعرفون محبيهم بياض الوجوه ومبغضيهم سواد الوجوه.
وقوله: {يعرفون كلا بسيماهم} يعني يعرفون أهل الجنّة ببياض وجوههم ونظرة النعيم عليهم ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة عيونهم.
{وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} يعني أهل الأعراف.
قال سعيد بن جبير: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة يريدها بهم لأن الله تعالى [.....]، ويود المنافقون وهم على الصراط لو بقي أحدهم ولم [.........].
{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ} وجوه أهل النار {أَصْحَابِ النار} وحيالهم تعوذوا بالله {قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين} الكافرين في النار {ونادى أَصْحَابُ الأعراف رِجَالاً} كانوا عظماء أهل النار جبّارين {يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ} في الدنيا من المال والأولاد {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} عن الإيمان.
وقال الكلبي: إنهم ينادون وهم على السور يا وليد بن المغيرة ويا أبا جهل بن هشام ويا فلان. ثمّ ينظرون إلى الجنّة فيرون فيها الضعفاء والفقراء والمساكين ممن كانوا يستهزؤن بهم مثل سلمان وصهيب وخبّاب وأتباعهم فينادون {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ} حلفتم وأنتم في الدنيا {لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ} يعني الجنّة ثمّ يقال لأصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
وقال مقاتل أقسم أهل النار أن أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنّة بل يدخلون النار معهم.
فقالت الملائكة الذين حبسوا أصحاب الصراط هؤلاء الذين يعني أصحاب الأعراف الذين أقسمتم يا أهل النار لا يُكلّمهم الله برحمة، ثمّ قالت الملائكة لأصحاب الأعراف ادخلوا الجنّة.
{ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ} صبّوا وأوسعوا {عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من طعام الجنّة {قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} يعني الماء والطعام {عَلَى الكافرين} قال أبو الجوزاء: سألت ابن عباس: أي الصدقة أفضل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة الماء ألا رأيت أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنّة قالوا أفيضوا علينا من الماء».
{الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً} وهو ما زيّن لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام والمكاء والتصدية حول البيت وسائر الخصال الرديئة الدنيئة التي كانوا يفعلونها في جاهليتهم، والدين كل ما أطيع به والتزم من حق أو باطل، وقال أبو روق: دينهم أو عقيدتهم {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ} نتركهم في النار {كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.


{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ} من القرآن {فَصَّلْنَاهُ} بيّناه {على عِلْمٍ} منّا بذلك {هُدًى وَرَحْمَةً} نصبها على القطع {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ} ينتظرون {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي ما يؤول إليه أمرهم من العذاب وورود النار.
قال قتادة: تأويله ثوابه. وقال مجاهد: جزاؤه. وقال السدي: عاقبة. وقال ابن زيد: حقيقته {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا} اليوم {مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ} إلى الدنيا {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} قال الله تعالى {قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ} زال وبطل {عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} قال سعيد بن جبير: قدّر الله على مَنْ في السماوات والأرض في لمحة ولحظة وإنما خلقهن في ستة أيام تتنظيماً لخلقه بالرفق والتثبيت في الاسم {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قال الكلبي ومقاتل: يعني استقر وقال أبو عبيد فصعد وقال بعضهم: استولى وغلب.
وقيل: ملك وغلب، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى بعدها وأمّا الصحيح والصواب فهو ماقاله الفراء وجماعة من أهل المعاني إن أول ما خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} [البقرة: 29] أي إلى خلق السماء.
وقال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلا سماه استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول وهي صفات أفعاله.
روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر.
عن محمد بن شجاع البلخي قال: سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة.
وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلاً سأل الأوزاعي في قوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلا ضالاً.
وبلغني أن رجلاً سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد؟
فقال: يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألاّ تسأل عنه.
والعرش في اللغة السرير.
وقال آخرون: هو ما علا وأظل، ومنه عرش الكرم، وقيل: العرش الملك.
قال زهير:
تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها *** وذبيان قد زلت بأقدامها النعل
{يُغْشِي} يطمس {الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} مسرعاً {والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ} أي مذلّلات {بِأَمْرِهِ} وقرأ أهل الشام بالرفع على الابتداء والخبر {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع التاجر بهرات الشجري يقول: سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول: سمعت عبد الجبار ابن العلاء العطّار يقول: سألت سفيان بن عيينة عن قوله: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} فقال: فرق الله بين الخلق والأمر ومَنْ جمع بينهما فقد كفر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد قلّ شكره وحبط عمله، ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئاً فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر}».
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي، أنشدنا أبو المثنّى معاذ بن المثنى العنبري عن أبيه محمود بن الحسن الورّاق قال: إن لله كل الأمر في كل خلقه ليس إلى المخلوق شي من الأمر {تَبَارَكَ الله} قال الضحاك: تبارك تعظم، الخليل ابن أحمد: تبارك تمجد، القتيبي: تفاعل من البركة، الحسين بن الفضيل: تبارك في ذاته وبارك فيمن شاء من خلقه {رَبُّ العالمين * ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً} تذلّلا واستكانة {وَخُفْيَةً} سرّاً.
وروى عاصم الأحول عن ابن عثمان الهندي عن أبي موسى قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزاء فأ شرفوا على واد فجعل ناس يكبّرون ويهلّلون ويرفعون أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيُّها الناس أربعوا على أنفسكم إنّكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنّكم تدعون سميعاً قريباً إنّه معكم».
وقال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ثمّ قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وماشعر به جاره فالرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس. وإن كان الرجل ليصلّي الصلاة الطويلة في بيت وعنده الدور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدورن أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبداً.
ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوتاً كأن كان إلا همساً بينهم وبين دينهم، وذلك أن الله تعالى يقول: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وإن الله ذكر عبداً صالحاً ورضى فعله فقال عزّ مَنْ قائل: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً} [مريم: 3].
{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} في الدعاء، قال أبو مجلن: هم الذين يسألون منازل الأنبياء، وقال عطيّة العوفي: هم الذين يدعونه فيما لا يحل على المؤمنين فيقولون: اللّهمّ أخزهم اللّهمّ ألعنهم، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت والنداء بالدعاء والصفح وكانوا يؤمرون بالتضرّع والاستكانة {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض} بالشرك والمعصية والدعاء إلى غير عبادة الله {بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} بعد اصلاح الله إيّاها يبعث الرسل، والأمر بالحلال والنهي عن المنكر والحرام وكل أرض قبل أن يبعث لها نبي فاسدة حتّى يبعث الرسل إليها فيصلح الأرض بالطاعة.
وقال عطيّة: معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم {وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً} قال الكلبي: خوفاً منه ومن عذابه وطمعاً فيما عنده من مغفرته وثوابه، الربيع بن أنس: {خَوْفاً وَطَمَعاً} كقوله: {رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء: 90]. وقيل: خوف العاقبة وطمع الرحمة، ابن جريج: خوف العدل وطمع الفضل. عطاء: خوفاً من النيران وطمعاً في الجنان. ذو النون المصري: خوفاً من الفراق وطمعاً في التلاق {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} وكان حقه قربته. واختلف النحاة فيه وأكثروا وأنا ذاكر نصوص ما قالوا.
قال سعيد بن جبير: الرحمة هاهنا الثواب. وقال الأخفش: هي المطر فيكون القريب نعتاً للمعنى دون اللفظ كقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مِّنْهُ} [النساء: 8] ولم يقل: منها، لأنه أراد بالقسمة الميراث والمال. وقال: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ استخرجها مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} [يوسف: 76] والصواع مذكّر لأنّه أراد به القسمة، والميراث كالمنشريّة والسقاية.
وقال الخليل بن أحمد: القريب والبعيد يستوي فيهما المذكر والمؤنث والجمع يذكر ويؤنث يقول الشاعر:
كفى حُزناً أنّي مقيم ببلدةً *** أخلاّئي عنها نازحون بعيد
وقال آخر:
كانوا بعيداً فكنت آملهم *** حتّى إذا ما تقربواهجروا
وقال آخر:
فالدار منّي غير نازحة *** لكن نفسي ما كادت مواتاتي
وقال سيبويه: لمّا أضاف المؤنث إلى المذكّر. أخرجه على مخرج المذكر، وقال الكسائي: إن رحمة الله قريب مكانها قريب كقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب: 63] أي أتيانها قريب.
قال النضر بن شميل: الرحمة مصدر وحق المصادر التذكير كقوله: {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ} [البقرة: 275] وقال الشاعر:
إنّ السماحة والمرؤة ضيمنا *** قبراً بمروَ على الطريق الواضح
ولم يقل: ضمنتا لأنّها مصدر. وقال أبو عمر بن العلاء: القريب في اللغة على ضربين قريب قرب مقربه أبوابه كقول العرب: هذه المرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة وهذه المرأة قريب منك إذا كانت بمعنى المسافة والمكان. قال أمرؤ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم *** قريب ولا البسباسة ابنة يشكر
وقال أبو عبيدة: القريب والبعيد يكونان للتأنيث والتذكير واحتج بقول عروة بن الورد:
خشيته لا عفراء منك قريبة *** فتدنوه ولا عفراء منك بعيد
وقال أبو عبيدة: القريب والبعيد إذا كانا اسمين استوى فيهما المذكر والمؤنث وان بنيتهما على قَرُبت وبعدت فهي قريبة وبعيدة.
{وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً} قرأ عاصم بُشراً بالباء المضمومة والشين المجزومة يعني أنّها تبشّر بالمطر يدلّ عليه قوله: {الرياح مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46].
وروى عنه بُشُراً بضم الباء والشين على جمع البشير مثل نذير ونذار.
وهي قراءة ابن عباس. وقرأ غيره من أهل الكوفة نشراً بفتح النون وجزم الشين وهو الريح الطيبة اللينة.
قال أمرؤ القيس:
كان المدام وصوب الغمام *** وريح الخزامي ونشر القطر
وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش، واختاره أبو عبيد لقوله: {والناشرات نَشْراً} [المرسلات: 3] وقرأ أهل الحجاز والبصرة نشراً بضم النون والشين واختاره أبو حاتم فقال: هي جمع نشور مثل صبور وصابر، وشكور وشاكر.
وهي الرياح التي تهب من كل ناحية وتجيء من كل وجه وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وابن عامر نشراً بضم النون وجزم الشين على التخفيف.
وقرأ مسروق {نشراً} بفتحتين أراد منشوراً كالمقبض والقبض {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدّام المطر {حتى إِذَآ أَقَلَّتْ} حملت {سَحَاباً ثِقَالاً} المطر {سُقْنَاهُ} رد الكناية إلى لفظ السحاب {لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} يعني إلى بلد.
وقيل: معناه لأجل بلد لا نبات له {فَأَنْزَلْنَا بِهِ} أي السحاب وقيل: بالبلد {المآء} يعني المطر، وقال أبو بكر بن عيّاش: لا تقطر من السماء قطرة حتّى يعمل فيها أربع: رياح الصبا تهيّجه والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرّقة {كذلك نُخْرِجُ الموتى} أحياء قال أبو هريرة وابن عباس: إذا مات الناس كلّهم في النفخة الأولى أمطر عليهم أربعين عاماً يسقى الرجال من ماء تحت العرش يُدعى ماء الحيوان فينبتون في قبورهم بذلك المطر كما ينبتون في بطون أُمهاتهم، وكما ينبت الزرع من الماء حتّى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثمّ يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون {ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] فيناديهم المنادي {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} [يس: 52].
{والبلد الطيب يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} هذا مثل ضربه الله المؤمن والكافر فمثل المؤمن مثل البلد الطيب الزاكي يخرج نباته ريعة بإذن الله، فمثل الكافر كمثل الأرض الصبخة الخبيثة التي لا يُخرج نباتها وغلّتها {إِلاَّ نَكِداً} أي عسيراً قليلاً بعناء ومشقّة وقرأ أبو جعفر: نكداً بفتح الكاف أي النكد {كذلك نُصَرِّفُ الآيات} بينهما {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.


{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ} وهو نوح بن ملك بن متوشلح بن اخنوخ، وهو إدريس بن مهلائيل بن يزد بن قيثان ابن انوش بن شيث بن آدم عليهم السلام، وهو أول نبي بعد إدريس وكان نجاراً بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه وهو ابن خمسين سنة فقال لهم: {يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} قرأ محمد بن السميقع {غيره} بالنصب.
قال الفراء: بعض بني أسد وقضاعة أجاز نصب غير في كل موضع يحسن فيه إلا تمّ الكلام قبلها أو لم يتم فيقولون: ما جاءني مشرك وما أتاني أحد غيرك. فأنشد الفضل:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت *** حمامة في ذات أو قال
وقال الزجاج: قد يكون النصب من وجهين: أحدهما الاستثناء من غير جنسه.
والثاني الحال من قوله: {اعبدوا الله} لأن غيره نكرة، وإن أضيف إلى المعارف. وقرأ أبو جعفر ويحيى بن وثّاب والأعمش والكسائي: {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} بكسر الراء على نعت الإله، واختاره أبو عبيد ليكون كلاماً واحداً.
وقرأ الباقون {غيره} بالرفع على وجهين: أحدهما: التقديم وإن كان مؤخّراً في اللفظ تقديره: مالكم غيره من إله غيره.
والثاني أن يجعله نعت التأويل الاله لأن المعنى مالكم إله غيره {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إن لم تؤمنوا {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} يعني الأشراف والسادة، وقال الفراء: هم الرجال ليست فيهم امرأة {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ} خطال وزوال عن الحق {مُّبِينٍ} يعني ظاهر {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ} ولم يقل: ليست لأن معنى الضلالة الضال، وقد يكون على معنى تقديم الفعل {وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين * أُبَلِّغُكُمْ} قرأ أبو عمرو: وأُبلّغكم خفيفة في جميع القرآن لقوله: {لقد أبلغتكم رسالات ربّي}، وليعلموا أن قد أبلغوا رسالات ربهم. ولأن جميع كتب الأنبياء نزلت دفعة واحدة منها القرآن، وقرأ الباقون: أُبلّغكم بالتشديد واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لأنّها أجزل اللغتين، قال الله: {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67].
{وَأَنصَحُ لَكُمْ} يقال بتخفيفه ونصحت له وشكرته وشكرت له {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من عقابه لا يرد عن القوم المجرمين {أَوَ عَجِبْتُمْ} الألف للإستفهام دخلت على واو العطف كأنه قال: إن أضعتم كذا وكذا {أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني نبوّة الرسالة، وقيل: معجزة وبيان.
{على رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} عذاب الله إن لم يؤمنوا {وَلِتَتَّقُواْ} ولكي يتّقوا الله {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكي تُرحموا {فَكَذَّبُوهُ} يعني نوحاً {فَأَنجَيْنَاهُ} من الطوفان {والذين مَعَهُ} قال ابن إسحاق: يعني بنيه الثلاثة، سام وحام ويافث وأزواجهم وستة أناس ممن كان آمن به وحملهم في الفلك وهو السفينة.
وقال الكلبي: كانوا ثمانين إنساناً أربعون ذكوراً وأربعون امرأة {وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ} عن الحق جاهلين بأمر الله، وقال الضحاك: {عمينَ} كفّاراً.
وقال الحسين بن الفضل: {عمين} في البصائر يقال: رجل عَمٍ عن الحق وأعمى في البصر. وقيل: العمي والأعمى واحد كالخضر والأخضر. وقال مقاتل: عموا عن نزول العذاب بهم وهو الحرث.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8